فصل: باب تَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ غَدَاةَ يُولَدُ لِمَنْ لَمْ يَعُقَّ عَنْهُ وَتَحْنِيكِهِ

مساءً 7 :21
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
28
الأحد
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*2*كِتَاب الْعَقِيقَةِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الشرح‏:‏

‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب العقيقة‏)‏ بفتح العين المهملة، وهو اسم لما يذبح عن المولود‏.‏

واختلف في اشتقاقها، فقال أبو عبيد والأصمعي‏:‏ أصلها الشعر الذي يخرج على رأس المولود، وتبعه الزمخشري وغيره‏.‏

وسميت الشاة التي تذبح عنه في تلك الحالة عقيقة لأنه يحلق عنه ذلك الشعر عند الذبح‏.‏

وعن أحمد أنها مأخوذة من العق وهو الشق والقطع، ورجحه ابن عبد البر وطائفة‏.‏

قال الخطابي‏:‏ العقيقة اسم الشاة المذبوحة عن الولد، سميت بذلك لأنها تعق مذابحها أي تشق وتقطع‏.‏

قال‏:‏ وقيل هي الشعر الذي يحلق‏.‏

وقال ابن فارس‏:‏ الشاة التي تذبح والشعر كل منهما يسمى عقيقة، يقال عق يعق إذا حلق عن ابنه عقيقته وذبح للمساكين شاة‏.‏

وقال القزاز‏:‏ أصل العق الشق، فكأنها قيل لها عقيقة بمعنى معقوقة، وسمي شعر المولود عقيقة باسم ما يعق عنه، وقيل باسم المكان الذي انعق عنه فيه، وكل مولود من البهائم فشعره عقيقة، فإذا سقط وبر البعير ذهب عقه‏.‏

ويقال‏:‏ أعقت الحامل نبتت عقيقة ولدها في بطنها‏.‏

قلت‏:‏ ومما ورد في تسمية الشاة عقيقة ما أخرجه البزار من طريق عطاء عن ابن عباس رفعه ‏"‏ للغلام عقيقتان وللجارية عقيقة ‏"‏ وقال‏:‏ لا نعلمه بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد ا ه‏.‏

ووقع في عدة أحاديث ‏"‏ عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة‏"‏‏.‏

*3*باب تَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ غَدَاةَ يُولَدُ لِمَنْ لَمْ يَعُقَّ عَنْهُ وَتَحْنِيكِهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب تسمية المولود غداة يولد لمن لم يعق عنه‏)‏ كذا في رواية أبي ذر عن الكشميهني، وسقط لفظة ‏"‏ عن ‏"‏ للجمهور، وللنسفي ‏"‏ وإن لم يعق عنه ‏"‏ بدل ‏"‏ لمن لم يعق عنه ‏"‏ ورواية الفربري أول لأن قضية رواية النسفي تعين التسمية غداة الولادة سواء حصلت العقيقة عن ذلك المولود أم لا، وهذا يعارضه الأخبار الواردة في التسمية يوم السابع كما سأذكرها قريبا‏.‏

وقضية رواية الفربري أن من لم يرد أن يعق عنه لا يؤخر تسميته إلى السابع كما وقع في قصة إبراهيم بن أبي موسى وعبد الله بن أبي طلحة وكذلك إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن الزبير، فإنه لم ينقل أنه عق عن أحد منهم، ومن أريد أن يعق عنه تؤخر تسميته إلى السابع كما سيأتي في الأحاديث الأخرى، وهو جمع لطيف لم أره لغير البخاري‏.‏

قوله ‏(‏وتحنيكه‏)‏ أي غداة يولد، وكأنه قيد بالغداة اتباعا للفظ الخبر‏.‏

والغداة تطلق ويراد بها مطلق الوقت وهو المراد هنا، وإنما اتفق تأخير ذلك لضرورة الواقع، فلو اتفق أنها تلد نصف النهار مثلا فوقت التحنيك والتسمية بعد الغداة قطعا‏.‏

والتحنيك مضغ الشيء ووضعه في فم الصبي ودلك حنكه به، يصنع ذلك بالصبي ليتمرن على الأكل ويقوى عليه‏.‏

وينبغي عند التحنيك أن يفتح فاه حتى ينزل جوفه، وأولاه التمر فإن لم يتيسر تمر فرطب، وإلا فشيء حلو، وغسل النحل أولى من غيره، ثم ما لم تمسه نار كما في نظيره مما يفطر الصائم عليه‏.‏

ويستفاد من قوله ‏"‏ وإن لم يعق عنه ‏"‏ الإشارة إلى أن العقيقة لا تجب، قال الشافعي أفرط فيها رجلان قال أحدهما هي بدعة والآخر قال واجبة؛ وأشار بقائل الوجوب إلى الليث بن سعد، ولم يعرف إمام الحرمين الوجوب إلا عن داود فقال‏:‏ لعل الشافعي أراد غير داود إنما كان بعده، وتعقب بأنه ليس للعل هنا معنى بل هو أمر محقق فإن الشافعي مات ولداود أربع سنين، وقد جاء الوجوب أيضا عن أبي الزناد وهي رواية عن أحمد‏.‏

والذي نقل عنه أنها بدعة أبو حنيفة قال ابن المنذر‏:‏ أنكر أصحاب الرأي أن تكون سنة وخالفوا في ذلك الآثار الثابتة، واستدل بعضهم بما رواه مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن أبيه ‏"‏ سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال‏:‏ لا أحب العقوق ‏"‏ كأنه كره الاسم وقال ‏"‏ من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فليفعل‏"‏‏.‏

وفي رواية سعيد بن منصور عن سفيان عن زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن عمه ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن العقيقة وهو على المنبر بعرفة فذكره ‏"‏ وله شاهد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أخرجه أبو داود، ويقوى أحد الحديثين بالآخر، قال أبو عمر‏:‏ لا أعلمه مرفوعا إلا عن هذين‏.‏

قلت‏:‏ وقد أخرجه البزار وأبو الشيخ في العقيقة من حديث أبي سعيد، ولا حجة فيه لنفي مشروعيتها‏.‏

بل آخر الحديث يثبتها، وإنما غايته أن يؤخذ منه أن الأولى أن تسمى نسيكة أو ذبيحة وأن لا تسمى عقيقة‏.‏

وقد نقله ابن أبي الدم عن بعض الأصحاب قال كما في تسمية العشاء عتمة، وادعى محمد بن الحسن نسخها بحديث ‏"‏ نسخ الأضحى كل ذبح ‏"‏ أخرجه الدار قطني من حديث علي وفي سنده ضعف‏.‏

وأما نفي ابن عبد البر وروده فمتعقب، وعلى تقدير أن يثبت أنها كانت واجبة ثم نسخ وجوبها فيبقى الاستحباب كما جاء في صوم عاشوراء، فلا حجة فيه أيضا لمن نفى مشروعيتها‏.‏

ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنِي بُرَيْدٌ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ وَدَفَعَهُ إِلَيَّ وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَبِي مُوسَى

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏بريد‏)‏ بالموحدة والراء مصغر هو ابن عبد الله بن أبي بردة وهو يروي عن جده أبي ردة عن أبي موسى الأشعري نسخه وإبراهيم بن أبي موسى المذكور في هذا الحديث ذكره جماعة في الصحابة لما وقع في هذا الحديث، وذلك يقتضي أن تكون له رواية، وقد ذكره ابن حبان في الصحابة وقال‏:‏ لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، ثم ذكره في ثقات التابعين وليس ذلك تناقضا منه بل هو بالاعتبارين‏.‏

قوله ‏(‏فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم فحنكه‏)‏ فيه إشعار بأنه أسرع بإحضاره إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأن تحنيكه كان بعد تسميته، ففيه تعجيل تسمية المولود ولا ينتظر بها إلى السابع‏.‏

وأما ما رواه أصحاب السنن الثلاثة من حديث الحسن عن سمرة في حديث العقيقة ‏"‏ تذبح عنه يوم السابع ويسمى ‏"‏ فقد اختلف في هذه اللفظة هل هي ‏"‏ يسمى ‏"‏ أو ‏"‏ يدمى ‏"‏ بالدال بدل السين‏؟‏ وسيأتي البحث في ذلك في الباب الذي يليه‏.‏

ويدل على أن التسمية لا تختص بالسابع ما تقدم في النكاح من حديث أبي أسيد أنه ‏"‏ أتى النبي صلى الله عليه وسلم بابنه حين ولد فسماه المنذر ‏"‏ وما أخرجه مسلم من حديث ثابت عن أنس رفعه قال ‏"‏ ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم، ثم دفعه إلى أم سيف ‏"‏ الحديث‏.‏

قال البيهقي‏:‏ تسمية المولود حين أصح من الأحاديث في تسميته يوم السابع‏.‏

قلت‏:‏ قد ورد فيه غير ما ذكر، ففي البزار وصحيحي ابن حبان والحاكم بسند صحيح عن عائشة قالت ‏"‏ عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين يوم السابع وسماها ‏"‏ وللترمذي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‏"‏ أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بتسمية المولود لسابعه ‏"‏ وهذا من الأحاديث التي يتعين فيها أن الجد هو الصحابي لا جد عمرو الحقيقي محمد بن عبد الله بن عمرو‏.‏

وفي الباب عن ابن عباس قال ‏"‏ سبعة من السنة في الصبي‏:‏ يوم السابع يسمى ويختن ويماط عنه الأذى وتثقب أذنه ويعق عنه ويحلق رأسه ويلطخ من عقيقته ويتصدق بوزن شعر رأسه ذهبا أو فضة ‏"‏ أخرجه الطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ وفي سنده ضعف، وفيه أيضا عن ابن عمر رفعه ‏"‏ إذا كان يوم السابع للمولود فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى وسموه ‏"‏ وسنده حسن‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَبِيٍّ يُحَنِّكُهُ فَبَالَ عَلَيْهِ فَأَتْبَعَهُ الْمَاءَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏يحيى‏)‏ هو القطان وهشام هو ابن عروة‏.‏

قوله ‏(‏أتى النبي صلى الله عليه وسلم بصبي يحنكه‏)‏ تقدم في الطهارة من وجه آخر عن هشام بن عروة ليس فيه ذكر التحنيك، وبينت هناك ما قيل في اسمه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ قَالَتْ فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَنَزَلْتُ قُبَاءً فَوَلَدْتُ بِقُبَاءٍ ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ حَنَّكَهُ بِالتَّمْرَةِ ثُمَّ دَعَا لَهُ فَبَرَّكَ عَلَيْهِ وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ فَفَرِحُوا بِهِ فَرَحًا شَدِيدًا لِأَنَّهُمْ قِيلَ لَهُمْ إِنَّ الْيَهُودَ قَدْ سَحَرَتْكُمْ فَلَا يُولَدُ لَكُمْ

الشرح‏:‏

حديث أسماء في ولادة عبد الله بن الزبير، وقد تقدم شرحه مستوفى في باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ‏"‏ وبيان الاختلاف في سنده‏.‏

ووقع في آخره هنا من الزيادة ‏"‏ ففرحوا به فرحا شديدا ‏"‏ لأنهم قيل لهم إن اليهود قد سحرتكم فلا يولد لكم ‏"‏ وهذا يدل على ما قدمته أن ولادته كانت بعد استقرارهم بالمدينة، وما وقع في أول الحديث أنه ولدته بقباء ثم أتت به النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد أنها أحضرته له بقباء، وإنما حملته من قباء إلى المدينة‏.‏

وقد أخرج ‏"‏ ابن سعد في الطبقات ‏"‏ من رواية أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن قال ‏"‏ لما قدم المهاجرون المدينة أقاموا لا يولد لهم، فقالوا‏:‏ سحرتنا يهود، حتى كثرت في ذلك القالة، فكان أول مولود بعد الهجرة عبد الله بن الزبير، فكبر المسلمون تكبيرة واحدة حتى ارتجت المدينة تكبيرا ‏"‏ وقوله ‏"‏ وأنا متم ‏"‏ بكسر المثناة أي شارفت تمام الحمل، وقوله ‏"‏تفل ‏"‏ بمثناة ثم فاء ‏"‏ وبرك ‏"‏ بالتشديد أي دعا له بالبركة‏:‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ يَشْتَكِي فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ فَقُبِضَ الصَّبِيُّ فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ مَا فَعَلَ ابْنِي قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ هُوَ أَسْكَنُ مَا كَانَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ الْعَشَاءَ فَتَعَشَّى ثُمَّ أَصَابَ مِنْهَا فَلَمَّا فَرَغَ قَالَتْ وَارُوا الصَّبِيَّ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ أَعْرَسْتُمْ اللَّيْلَةَ قَالَ نَعَمْ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا فَوَلَدَتْ غُلَامًا قَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ احْفَظْهُ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرْسَلَتْ مَعَهُ بِتَمَرَاتٍ فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَمَعَهُ شَيْءٌ قَالُوا نَعَمْ تَمَرَاتٌ فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَضَغَهَا ثُمَّ أَخَذَ مِنْ فِيهِ فَجَعَلَهَا فِي فِي الصَّبِيِّ وَحَنَّكَهُ بِهِ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسٍ وَسَاقَ الْحَدِيثَ

الشرح‏:‏

حديث أنس في قصة ابن أبي طلحة واسمه عبد الله وهو والد إسحاق، وقد تقدم شرحه في الجنائز وفي الزكاة‏.‏

قوله ‏(‏أعرستم‏)‏ ‏؟‏ هو استفهام محذوف الأداة والعين ساكنة، أعرس الرجل إذا بنى بامرأته، ويطلق أيضا على الوطء لأنه يتبع البناء غالبا، ووقع رواية الأصيلي ‏"‏ أعرستم ‏"‏‏؟‏ بفتح العين وتشديد الراء فقال عياض‏:‏ هو غلط لأن التعريس النزول، وأثبت غيره أنها لغة، يقال أعرس وعرس إذا دخل بأهله والأفصح أعرس قاله ابن التيمي في كتاب التحرير في شرح مسلم له‏.‏

قوله ‏(‏قال لي أبو طلحة احفظه‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ احفظيه ‏"‏ والأول أولى‏.‏

قوله ‏(‏حدثني محمد بن المثنى - إلى أن قال - وساق الحديث‏)‏ هذا يوهم أنه يريد الحديث الذي قبله وليس كذلك لأن لفظهما مختلف، وهما حديثان عند ابن عون‏:‏ أحدهما عنده عن أنس بن سيرين وهو المذكور هنا، والثاني عنده عن محمد بن سيرين عن أنس، وقد ساقه المصنف في اللباس بهذا الإسناد ولفظه ‏"‏ أن أم سليم قالت لي‏:‏ يا أنس، انظر هذا الغلام فلا تصيبن شيئا حتى تغدو به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فغدوت به فإذا هو في حائط له وعليه خميصة وهو يسم الظهر الذي قدم عليه في الفتح ‏"‏ ثم وجدت في نسخة الصغاني بعد قوله وساق الحديث ‏"‏ قال أبو عبد الله اختلفا في أنس بن سيرين ومحمد بن سيرين أي أن ابن أبي عدى ويزيد بن هارون اختلفا شيخ عبد الله بن عون وهذا يتعين أنهما عنده حديث اختلفت ألفاظه‏.‏

وذكر المزي أن حماد بن سعد وافق ابن أبي عدي أخرجه مسلم من طريقه لكني لم أره في كتاب مسلم مسمى بل قال ‏"‏ عن ابن سيرين ‏"‏ ويؤيد رواية ابن أبي عدي أن أحمد أخرج الحديث مطولا من طريق همام عن محمد بن سيرين

*3*باب إِمَاطَةِ الْأَذَى عَنْ الصَّبِيِّ فِي الْعَقِيقَةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب إماطة الأذى عن الصبي في العقيقة‏)‏ الإماطة الإزالة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ وَقَالَ حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ وَقَتَادَةُ وَهِشَامٌ وَحَبِيبٌ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ سَلْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَاصِمٍ وَهِشَامٍ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ الرَّبَابِ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ سَلْمَانَ قَوْلَهُ وَقَالَ أَصْبَغُ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ حَدَّثَنَا سَلْمَانُ بْنُ عَامِرٍ الضَّبِّيُّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن محمد‏)‏ هو ابن سيرين‏.‏

قوله ‏(‏عن سلمان بن عامر‏)‏ هو الضبي، وهو صحابي سكن البصرة، ماله في البخاري غير هذا الحديث، وقد أخرجه من عدة طرق موقوفا ومرفوعا موصولا من الطريق الأولى لكنه لم يصرح برفعه فيها؛ ومعلقا من الطرق الأخرى صرح في طريق منها بوقفه وما عداها مرفوع‏.‏

قال الإسماعيلي لم يخرج البخاري في الباب حديثا صحيحا على شرطه، أما حديث حماد بن زيد يعني الذي أورده موصولا فجاء به موقوفا وليس فيه ذكر إماطة الأذى الذي ترجم به، وأما حديث جرير بن حازم فذكره بلا خبر، وأما حديث حماد بن سلمة فليس من شرطه في الاحتجاج‏.‏

قلت‏:‏ أما حديث حماد بن زيد فهو المعتمد عليه عند البخاري، لكنه أورده مختصرا، فكأنه سمعه كذلك من شيخه أبي النعمان، واكتفى به كعادته في الإشارة إلى ما ورد في بعض الحديث الذي يورده، وقد أخرجه أحمد عن يونس بن محمد عن حماد بن زيد فزاد في المتن ‏"‏ فأهريقوا عنه دما، وأميطوا عنه الأذى ‏"‏ ولم يصرح برفعه، وأخرجه أيضا عن يونس بن محمد عن حماد بن زيد عن هشام عن محمد بن سيرين فصرح برفعه، وأخرجه أيضا عن عبد الوهاب عن ابن عون وسعيد عن محمد بن سيرين عن سلمان مرفوعا، وأخرجه الإسماعيلي من طريق سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن أيوب فقال فيه ‏"‏ رفعه ‏"‏ وأما حديث جرير بن حازم وقوله أنه ذكره بلا خبر، يعني لم يقل في أول الإسناد أنبأنا أصبغ بل قال ‏"‏ قال أصبغ ‏"‏ لكن أصبغ من شيوخ البخاري قد أكثر عنه في الصحيح، فعلى قول الأكثر هو موصول كما قرره ابن الصلاح في ‏"‏ علوم الحديث ‏"‏ وعلى قول ابن حزم هو منقطع وهذا كلام الإسماعيلي يشير إلى موافقته، وقد زيف الناس كلام ابن حزم في ذلك، وأما كون حماد ابن سلمة على شرطه في الاحتجاج فمسلم، لكن لا يضره إيراده للاستشهاد كعادته‏.‏

قوله ‏(‏وقال حجاج‏)‏ هو ابن منهال، وحماد هو ابن سلمة، وقد وصله الطحاوي وابن عبد البر والبيهقي من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي عن حجاج بن منهال ‏"‏ حدثنا حماد بن سلمة به ‏"‏ وقد أخرجه النسائي من رواية عفان والإسماعيلي من طريق حبان بن هلال وعبد الأعلى بن حماد وإبراهيم بن الحجاج كلهم عن حماد بن سلمة فزادوا مع الأربعة الذين ذكرهم البخاري - وهم أيوب وقتادة وهشام وهو ابن حسان وحبيب وهو ابن الشهيد - يونس وهو ابن عبيد ويحيى بن عتيق، لكن ذكر بعضهم عن حماد ما لم يذكر الآخر، وساق المتن كله على لفظ حبان، وصرح برفعه ولفظه ‏"‏ في الغلام عقيقة فأهرقوا عنه الدم، وأميطوا عنه الأذى ‏"‏ قال الإسماعيلي‏:‏ وقد رواه الثوري موصولا مجردا ثم ساقه من طريق أبي حذيفة عن سفيان عن أيوب كذلك، فاتفق هؤلاء على أنه من حديث سلمان بن عامر، وخالفهم وهيب فقال ‏"‏ عن أيوب عن محمد عن أم عطية قالت‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مع الغلام ‏"‏ فذكر مثله سواء، أخرجه أبو نعيم في مستخرجه من رواية حوثرة بن محمد بن أبي هشام عن وهيب به، ووهيب من رجال الصحيحين وأبو هشام اسمه المغيرة بن سلمة احتج به مسلم وأخرج له البخاري تعليقا ووثقه ابن المديني والنسائي وغيرهما، وحوثرة بحاء مهملة ومثلثة وزن جوهرة بصري يكنى أبا الأزهر احتج به ابن خزيمة في صحيحه‏.‏

وأخرج عنه من الستة ابن ماجه، وذكر أبو علي الجياني أن أبا داود روى عنه في كتاب بدء الوحي خارج السنن، وذكره ابن حبان في الثقات، فالإسناد قوي إلا أنه شاذ، والمحفوظ عن محمد بن سيرين عن سلمان بن عامر، فلعل بعض رواته دخل عليه حديث في حديث‏.‏

قوله ‏(‏وقال غير واحد عن عاصم وهشام عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان بن عامر الضبي عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ قلت من الذين أبهمهم عن عاصم سفيان بن عيينة أخرجه أحمد عنه بهذا الإسناد فصرح برفعه، وذكر المتن المذكور وحديثين آخرين‏:‏ أحدهما في الفطر على التمر، والثاني في الصدقة على ذي القرابة، وأخرجه الترمذي من طريق عبد الرزاق والنسائي عن عبد الله بن محمد الزهري كلاهما عن ابن عيينة بقصة العقيقة حسب‏.‏

وقال النسائي في روايته عن الرباب عن عمها سلمان به، والرباب بفتح الراء وبموحدتين مخففا ما لها في البخاري غير هذا الحديث، وممن رواه عن هشام بن حسان عبد الرزاق أخرجه أحمد عنه عن هشام بالأحاديث الثلاثة، وأخرجه أبو داود والترمذي من طريق عبد الرزاق، ومنهم عبد الله بن نمير أخرجه ابن ماجه من طريقه عن هشام به، وأخرجه أحمد أيضا عن يحيى القطان ومحمد بن جعفر كلاهما عن هشام لكن لم يذكر الرباب في إسناده، وكذا أخرجه الدارمي عن سعيد بن عامر والحارث بن أبي أسامة عن عبد الله بن بكير السهمي كلاهما عن هشام، قوله ‏(‏ورواه يزيد بن إبراهيم عن ابن سيرين عن سلمان قوله‏)‏ قلت‏:‏ وصله الطحاوي في ‏"‏ بيان المشكل ‏"‏ فقال ‏"‏ حدثنا محمد بن خزيمة حدثنا حجاج بن منهال حدثنا يزيد بن إبراهيم به موقوفا‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وقال أصبغ أخبرني ابن وهب إلخ‏)‏ وصله الطحاوي عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب به قال الإسماعيلي‏:‏ ذكر البخاري ابن وهب بلا خبر، وقد قال أحمد بن حنبل‏:‏ حديث جرير بن حازم كأنه على التوهم أو كما قال‏.‏

قلت‏:‏ لفظ الأثرم عن أحمد حدث بالوهم بمصر ولم يكن يحفظ، وكذا ذكر الساجي ا ه وهذا مما حديث به جرير بمصر، لكن قد وافقه غيره على رفعه عن أيوب، نعم قوله عن محمد ‏"‏ حدثنا سلمان بن عامر ‏"‏ هو الذي تفرد به، وبالجملة فهذه الطرق يقوى بعضها بعضا، والحديث مرفوع لا يضره رواية من وقفه‏.‏

قوله ‏(‏مع الغلام عقيقة‏)‏ تمسك بمفهومه الحسن وقتادة فقالا‏:‏ يعق عن الصبي ولا يعق عن الجارية، وخالفهم الجمهور فقالوا‏:‏ يعق عن الجارية أيضا، وحجتهم الأحاديث المصرحة بذكر الجارية، وسأذكرها بعد هذا، فلو ولد اثنان في بطن استحب عن كل واحد عقيقه، ذكره ابن عبد البر عن الليث وقال‏:‏ لا أعلم عن أحد من العلماء خلافه‏.‏

قوله ‏(‏فأهريقوا عنه دما‏)‏ كذا أبهم ما يهراق في هذا الحديث وكذا في حديث سمرة الآتي بعده، وفسر ذلك في عدة أحادث منها حديث عائشة أخرجه الترمذي وصححه من رواية يوسف بن ماهك ‏"‏ أنهم دخلوا على حفصة بنت عبد الرحمن - أي ابن أبي بكر الصديق - فسألوها عن العقيقة، فأخبرتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة ‏"‏ وأخرجه أصحاب السنن الأربعة من حديث أم كرز أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة واحدة، ولا يضركم ذكرانا كن أو إناثا ‏"‏ قال الترمذي صحيح، وأخرجه أبو داود والنسائي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه أثناء حديث قال ‏"‏ من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل‏:‏ عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة ‏"‏ قال داود بن قيس رواية عن عمرو ‏"‏ سألت زيد بن أسلم عن قوله مكافئتان فقال‏:‏ متشابهتان تذبحان جميعا أي لا يؤخر ذبح إحداهما عن الأخرى ‏"‏ وحكى أبو داود عن أحمد المكافئتان المتقاربتان، قال الخطابي‏:‏ أي في السن‏.‏

وقال الزمخشري‏:‏ معناه متعادلتان لما يجزي في الزكاة وفي الأضحية، وأولى من ذلك كله ما وقع في رواية سعيد بن منصور في حديث أم كرز من وجه آخر عن عبيد الله بن أبي يزيد بلفظ ‏"‏ شاتان مثلان ‏"‏ ووقع عند الطبراني في حديث آخر ‏"‏ قيل‏:‏ ما المكافئتان‏؟‏ قال المثلان ‏"‏ وما أشار إليه زيد بن أسلم من ذبح إحداهما عقب الأخرى حسن، ويحتمل الحمل على المعنيين معا، وروى البزار وأبو الشيخ من حديث أبي هريرة رفعه ‏"‏ أن اليهود تعق عن الغلام كبشا ولا تعق عن الجارية، فعقوا عن الغلام كبشين وعن الجارية كبشا ‏"‏ وعند أحمد من حديث أسماء بنت يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ العقيقة حق عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة ‏"‏ وعن أبي سعيد نحو حديث عمرو بن شعيب أخرجه أبو الشيخ، وتقدم حديث ابن عباس أول الباب، وهذه الأحاديث حجة للجمهور في التفرقة بين الغلام والجارية، وعن مالك هما سواء فيعق عن كل واحد منهما شاة، واحتج له بما جاء ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا ‏"‏ أخرجه أبو داود ولا حجة فيه فقد أخرجه أبو الشيخ من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ ‏"‏ كبشين كبشين ‏"‏ وأخرج أيضا من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مثله، وعلى تقدير ثبوت رواية أبي داود فليس في الحديث ما يرد به الأحاديث المتواردة في التنصيص على التثنية للغلام، بل غايته أن يدل على جواز الاقتصار، وهو كذلك، فإن العدد ليس شرطا بل مستحب‏.‏

وذكر الحليمي أن الحكمة في كون الأنثى على النصف من الذكر أن المقصود استبقاء النفس فأشبهت الدية، وقواه ابن القيم بالحديث الوارد في أن من أعتق ذكرا أعتق عضو منه، ومن أعتق جاريتين كذلك، إلى غير ذلك مما ورد‏.‏

ويحتمل أن يكون في ذلك الوقت ما تيسر العدد‏.‏

واستدل بإطلاق الشاة والشاتين على أنه لا يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية، وفيه وجهان للشافعية، وأصحهما يشترط وهو بالقياس لا بالخبر، ويذكر الشاة والكبش على أنه يتعين الغنم للعقيقة، وبه ترجم أبو الشيخ الأصبهاني ونقله ابن المنذر عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر‏.‏

وقال البندنيجي من الشافعية‏:‏ لا نص للشافعي في ذلك، وعندي أنه لا يجزئ غيرها، والجمهور على إجزاء الإبل والبقر أيضا، وفيه حديث عند الطبراني وأبي الشيخ عن أنس رفعه ‏"‏ يعق عنه من الإبل والبقر والغنم ‏"‏ ونص أحمد على اشتراط كاملة، وذكر الرافعي بحثا أنها تتأدى بالسبع كما في الأضحية والله أعلم‏.‏

قوله ‏(‏وأميطوا‏)‏ أي أزيلوا وزنا ومعنى‏.‏

قوله ‏(‏الأذى‏)‏ وقع عند أبي داود من طريق سعيد بن أبي عروبة وابن عون عن محمد بن سيرين قال ‏"‏ إن لم يكن الأذى حلق الرأس فلا أدري ما هو ‏"‏ وأخرج الطحاوي من طريق يزيد بن إبراهيم عن محمد بن سيرين قال ‏"‏ لم أجد من يخبرني عن تفسير الأذى ‏"‏ ا ه‏.‏

وقد جزم الأصمعي بأنه حلق الرأس، وأخرجه أبو داود بسند صحيح عن الحسن كذلك، ووقع في حديث عائشة عند الحاكم ‏"‏ وأمر أن يماط عن رءوسهما الأذى ‏"‏ ولكن لا يتعين ذلك في حلق الرأس، فقد وقع في حديث ابن عباس عند الطبراني ‏"‏ ويماط عنه الأذى ويحلق رأسه ‏"‏ فعطفه عليه، فالأولى حمل الأذى على ما هو أعم من حلق الرأس، ويؤيد ذلك أن في بعض طرق حديث عمرو بن شعيب ‏"‏ ويماط عنه أقذاره ‏"‏ رواه أبو الشيخ‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ حَدَّثَنَا قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ قَالَ أَمَرَنِي ابْنُ سِيرِينَ أَنْ أَسْأَلَ الْحَسَنَ مِمَّنْ سَمِعَ حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ مِنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا عبد الله بن أبي الأسود‏)‏ هو عبد الله بن محمد بن حميد بن الأسود بن أبي الأسود - نسب لجد جده - وربما ينسب لجد أبيه فقيل عبد الله بن الأسود معروف من شيوخ البخاري، وشيخه قريش بن أنس بصري ثقة يكنى أبا أنس، كان قد تغير سنة ثلاث ومائتين، واستمر على ذلك ست سنين، فمن سمع منه قبل ذلك فسماعه صحيح، وليس له في البخاري سوى هذا الموضع، وقد أخرجه الترمذي عن البخاري عن علي بن المديني عنه، ولم أره في نسخ الجامع إلا عن عبد الله بن أبي الأسود، فكأن له فيه شيخين‏.‏

وقد توقف البرزنجي في صحة هذا الحديث من أجل اختلاط قريش، وزعم أنه تفرد به وأنه وهم، وكأنه تبع في ذلك ما حكاه الأثرم عن أحمد أنه ضعف حديث قريش هذا وقال‏:‏ ما أراه بشيء لكن وجدنا له متابعا أخرجه أبو الشيخ والبزار عن أبي هريرة كما سأذكره، وأيضا فسماع على بن المديني وأقرانه من قريش كان قبل اختلاطه، فلعل أحمد إنما ضعفه لأنه ظن أنه إنما حدث به بعد الاختلاط‏.‏

قوله ‏(‏حديث العقيقة‏)‏ لم يقع في البخاري بيان الحديث المذكور وكأنه اكتفى عن إيراده بشهرته، وقد أخرجه أصحاب السنن من رواية قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ الغلام مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم السابع، ويحلق رأسه، ويسمى ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حسن صحيح، وقد جاء مثله عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أخرجه البزار وأبو الشيخ في كتاب العقيقة من رواية إسرائيل عن عبد الله بن المختار عنه ورجاله ثقات، فكأن ابن سيرين لما كان الحديث عنده عن أبي هريرة وبلغه أن الحسن يحدث به احتمل عنده أن يكون يرويه عن أبي هريرة أيضا وعن غيره فسأل فأخبر الحسن أنه سمعه من سمرة فقوى الحديث برواية هذين التابعيين الجليلين عن الصحابيين، ولم تقع في حديث أبي هريرة هذه الكلمة الأخيرة وهي ‏"‏ ويسمى ‏"‏ وقد اختلف فيها أصحاب قتادة فقال أكثرهم ‏"‏ يسمى ‏"‏ بالسين‏.‏

وقال همام عن قتادة ‏"‏ يدمى ‏"‏ بالدال‏.‏

قال أبو داود‏:‏ خولف همام وهو وهم منه ولا يؤخذ به، قال‏:‏ ويسمى أصح‏.‏

ثم ذكره من رواية غير قتادة بلفظ ‏"‏ ويسمى ‏"‏ واستشكل ما قاله أبو داود بما في بقية رواية همام عنده أنهم سألوا قتادة عن الدم كيف يصنع به فقال إذا ذبحت العقيقة أخذت منها صوفة واستقبلت به أوداجها ثم توضع على يافوخ الصبي حتى يسيل على رأسه مثل الخيط ثم يغسل رأسه بعد ويحلق‏.‏

فيبعد مع هذا الضبط أن يقال أن هماما وهم عن قتادة في قوله ‏"‏ ويدمى ‏"‏ إلا أن يقال إن أصل الحديث ‏"‏ ويسمى ‏"‏ وأن قتادة ذكر الدم حاكيا عما كان أهل الجاهلية يصنعونه، ومن ثم قال ابن عبد البر‏:‏ لا يحتمل همام في هذا الذي انفرد به، فإن كان حفظه فهو منسوخ ا ه‏.‏

وقد رجح ابن حزم رواية همام وحمل بعض المتأخرين قوله ‏"‏ ويسمى ‏"‏ على التسمية عند الذبح، لما أخرج ابن أبي شيبة من طريق هشام عن قتادة قال ‏"‏ يسمى على العقيقة كما سمى على الأضحية‏:‏ بسم الله عقيقة فلان ‏"‏ ومن طريق سعيد عن قتادة نحوه وزاد ‏"‏ اللهم منك ولك، عقيقة فلان، بسم الله والله أكبر‏.‏

ثم ذبح ‏"‏ وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة‏:‏ يسمى يوم يعق عنه ثم يحلق، وكان يقول‏:‏ يطلي رأسه بالدم‏.‏

وقد ورد ما يدل على النسخ في عدة أحاديث، منها ما أخرجه ابن حبان في صحيحه عن عائشة قالت ‏"‏ كانوا في الجاهلية إذا عقوا عن الصبي خضبوا قطنة بدم العقيقة، فإذا حلقوا رأس الصبي وضعوها على رأسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم اجعلوا مكان الدم خلوقا ‏"‏ زاد أبو الشيخ ‏"‏ ونهى أن يمس رأس المولود بدم‏"‏‏.‏

وأخرج ابن ماجه من رواية أيوب بن موسى عن يزيد ابن عبد الله المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ يعق عن الغلام، ولا يمس رأسه بدم ‏"‏ وهذا مرسل، فإن يزيد لا صحبه له، وقد أخرجه البزار من هذا الوجه فقال ‏"‏ عن يزيد بن عبد الله المزني عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ومع ذلك فقالوا إنه مرسل، ولأبي داود والحاكم من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال ‏"‏ كنا في الجاهلية ‏"‏ فذكر نحو حديث عائشة ولم يصرح برفعه، قال ‏"‏ فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران ‏"‏ وهذا شاهد لحديث عائشة، ولهذا كره الجمهور التدمية‏.‏

ونقل ابن حزم استحباب التدمية عن ابن عمر وعطاء ولم ينقل ابن المنذر استحبابها إلا عن الحسن وقتادة، بل عند ابن أبي شيبة بسند صحيح عن الحسن أنه كره التدمية، وسيأتي ما يتعلق بالتسمية وآدابها في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى‏.‏

واختلف في معنى قوله ‏"‏ مرتهن بعقيقته ‏"‏ قال الخطابي‏:‏ اختلف الناس في هذا، وأجود ما قيل فيه ما ذهب إليه أحمد بن حنبل قال‏:‏ هذا في الشفاعة، يريد أنه إذا لم يعق عنه فمات طفلا لم يشفع في أبويه، وقيل معناه أن العقيقة لازمة لا بد منها، فشبه المولود في لزومها وعدم انفكاكه منها بالرهن في يد المرتهن، وهذا يقوى قول من قال بالوجوب، وقيل المعنى أنه مرهون بأذى شعره، ولذلك جاء ‏"‏ فأميطوا عنه الأذى ‏"‏ ا ه والذي نقل عن أحمد قاله عطاء الخراساني أسنده عنه البيهقي‏.‏

وأخرج ابن جزم عن بريدة الأسلمي قال‏:‏ إن الناس يعرضون يوم القيامة على العقيقة كما يعرضون على الصلوات الخمس، وهذا لو ثبت لكان قولا آخر يتمسك به من قال بوجوب العقيقة، قال ابن حزم‏:‏ ومثله عن فاطمة بنت الحسين‏.‏

وقوله ‏"‏يذبح عنه يوم السابع ‏"‏ تمسك به من قال إن العقيقة مؤقتة باليوم السابع، وأن من ذبح قبله لم يقع الموقع، وأنها تفوت بعده، وهو قول مالك‏.‏

وقال أيضا‏:‏ إن من مات قبل السابع سقطت العقيقة‏.‏

وفي رواية ابن وهب عن مالك‏:‏ إن من لم يعق عنه في السابع الأول عق عنه في السابع الثاني، قال ابن وهب‏:‏ ولا بأس أن يعق عنه في السابع الثالث‏.‏

ونقل الترمذي عن أهل العلم أنهم يستحبون أن تذبح العقيقة يوم السابع، فإن لم يتهيأ فيوم الرابع عشر، فإن لم يتهيأ عق عنه يوم أحد وعشرين ولم أر هذا صريحا إلا عن أبي عبد الله البوشنجي، ونقله صالح بن أحمد عن أبيه‏.‏

وورد فيه حديث أخرجه الطبراني من رواية إسماعيل بن مسلم عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، وإسماعيل ضعيف، وذكر الطبراني أنه تفرد به‏.‏

وعند الحنابلة في اعتبار الأسابيع بعد ذلك روايتان، وعند الشافعية أن ذكر الأسابيع للاختيار لا للتعيين، فنقل الرافعي أنه يدخل وقتها بالولادة، قال‏:‏ وذكر السابع في الخبر بمعنى أن لا تؤخر عنه اختيارا، ثم قال‏:‏ والاختيار أن لا تؤخر عن البلوغ فإن أخرت عن البلوغ سقطت عمن كان يريد أن يعق عنه، لكن إن أراد أن يعق عن نفسه فعل‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن سيرين قال‏:‏ لو أعلم أني لم يعق عني لعققت عن نفسي‏.‏

واختاره القفال‏.‏

ونقل عن نص الشافعي في البويطي أنه لا يعق عن كبير، وليس هذا نصا في منع أن يعق الشخص عن نفسه، بل يحتمل أن يريد أن لا يعق عن غيره إذا كبر، وكأنه أشار بذلك إلى أن الحديث الذي ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة لا يثبت‏.‏

وهو كذلك، فقد أخرجه البزار من رواية عبد الله بن محرر - وهو بمهملات - عن قتادة عن أنس، قال البزار‏:‏ تفرد به عبد الله وهو ضعيف ا ه‏.‏

وأخرجه أبو الشيخ من وجهين آخرين‏:‏ أحدهما من رواية إسماعيل بن مسلم عن قتادة وإسماعيل ضعيف أيضا، وقد قال عبد الرزاق‏:‏ أنهم تركوا حديث عبد الله بن محرر من أجل هذا الحديث، فلعل إسماعيل سرقه منه‏.‏

ثانيهما من رواية أبي بكر المستملى عن الهيثم بن جميل وداود بن المخبر قالا حدثنا عبد الله بن المثنى عن ثمامة عن أنس، وداود ضعيف لكن الهيثم ثقة، وعبد الله من رجال البخاري، فالحديث قوي الإسناد، وقد أخرجه محمد بن عبد الملك بن أيمن عن إبراهيم بن إسحاق السراج عن عمرو الناقد، وأخرجه الطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ عن أحمد بن مسعود كلاهما عن الهيثم بن جميل وحده به، فلولا ما في عبد الله بن المثنى من المقال لكان هذا الحديث صحيحا، لكن قد قال ابن معين‏:‏ ليس بشيء‏.‏

وقال النسائي‏:‏ ليس بقوي‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ لا أخرج حديثه‏.‏

وقال الساجي‏:‏ فيه ضعف لم يكن من أهل الحديث روى مناكير‏.‏

وقال العقيلي‏:‏ لا يتابع على أكثر حديثه، قال ابن حبان في الثقات‏:‏ ربما أخطأ، ووثقه العجلي والترمذي وغيرهما، فهذا من الشيوخ الذين إذا انفرد أحدهم بالحديث لم يكن حجة، وقد مشى الحافظ الضياء على ظاهر الإسناد فأخرج هذا الحديث في الأحاديث المختارة مما ليس في الصحيحين، ويحتمل أن يقال‏:‏ إن صح هذا الخبر كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم كما قالوا في تضحيته عمن لم يضح من أمته، وعند عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ‏"‏ من لم يعق عنه أجزأته أضحيته ‏"‏ وعند ابن أبي شيبة عن محمد بن سيرين والحسن ‏"‏ يجزئ عن الغلام الأضحية من العقيقة ‏"‏ وقوله ‏"‏ يوم السابع ‏"‏ أي من يوم الولادة، وهل يحسب يوم الولادة‏؟‏ قال ابن عبد البر نص مالك على أن أول السبعة اليوم الذي يلي يوم الولادة، إلا إن ولد قبل طلوع الفجر، وكذا نقله البويطي عن الشافعي، ونقل الرافعي وجهين ورجح الحسبان، واختلف ترجيح النووي‏.‏

وقوله ‏"‏يذبح ‏"‏ بالضم على البناء للمجهول، فيه أنه لا يتعين الذابح، وعند الشافعية يتعين من تلزمه نفقة المولود، وعن الحنابلة يتعين الأب إلا أن تعذر بموت أو امتناع، قال الرافعي‏:‏ وكأن الحديث أنه صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين مؤول، قال النووي‏:‏ يحتمل أن يكون أبواه حينئذ كانا معسرين أو تبرع بإذن الأب، أو قوله ‏"‏ عق ‏"‏ أي أمر، أو هو من خصائصه صلى الله عليه وسلم كما ضحى عمن لم يضح من أمته، وقد عده بعضهم من خصائصه، ونص مالك على أنه يعق عن اليتيم من ماله، ومنعه الشافعية، وقوله ‏"‏ويحلق رأسه ‏"‏ أي جميعه لثبوت النهي عن القزع كما سيأتي في اللباس، وحكى الماوردي كراهة حلق رأس الجارة، وعن بعض الحنابلة يحلق، وفي حديث علي عند الترمذي والحاكم في حديث العقيقة عن الحسن والحسين ‏"‏ يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره، قال فوزناه فكان درهما أو بعض درهم ‏"‏ وأخرج أحمد من حديث أبي رافع ‏"‏ لما ولدت فاطمة حسنا قالت‏.‏

يا رسول الله ألا أعق عن ابني بدم‏؟‏ قال‏:‏ لا ولكن احلقي رأسه وتصدقي بوزن شعره فضة، ففعلت، فلما ولدت حسينا فعلت مثل ذلك ‏"‏ قال شيخنا في ‏"‏ شرح الترمذي ‏"‏ يحمل على أنه صلى الله عليه وسلم كان عق عنه ثم استأذنته فاطمة أن تعق هي عنه أيضا فمنعها، قلت‏:‏ ويحتمل أن يكون منعها لضيق ما عندهم حينئذ فأرشدها إلى نوع من الصدقة أخف، ثم تيسر له عن قرب ما عق به عنه، وعلى هذا فقد يقال يختص ذلك بمن لم يعق عنه، لكن أخرج سعيد ابن منصور من مرسل أبي جعفر الباقر صحيحا ‏"‏ إن فاطمة كانت إذا ولدت ولدا حلقت شعره وتصدقت بزنته ورقا ‏"‏ واستدل بقوله ‏"‏ يذبح ويحلق ويسمى ‏"‏ بالواو على أنه لا يشترط الترتيب في ذلك، وقد وقع في رواية لأبي الشيخ في حديث سمرة ‏"‏ يذبح يوم سابعه ثم يحلق ‏"‏ وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج يبدأ بالذبح قبل الحلق، وحكى عن عطاء عكسه، ونقله الروياني عن نص الشافعي‏.‏

وقال البغوي في ‏"‏ التهذيب ‏"‏ يستحب الذبح قبل الحلق، وصححه النووي في‏.‏

‏"‏ شرح المهذب ‏"‏ والله أعلم